Home picoplanktonics
Photo: Valentina Mori.
Photo: Valentina Mori.

Picoplanktonics تكامل العمارة والبيولوجيا في عصر الاستدامة

الخلفية العلمية والأهداف

يُعد مشروع Picoplanktonics بقيادة المهندسة المعمارية ومصممة المواد الحيوية الكندية أندريا شين لينغ (Andrea Shin Ling)، بالتعاون مع باحثين من مجالات علوم المواد، والبيولوجيا، والروبوتات، والتصميم الحاسوبي في معهد ETH Zurich، تجربة رائدة في دمج الأنظمة البيولوجية مع البناء المعماري باستخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد الحيوية.

 

يرتكز المشروع على سلالة من السيانوبكتيريا البحرية تعرف باسم Synechococcus PCC 7002، وهي من كائنات الـ picoplankton القديمة، التي أدت دوراً محورياً منذ أكثر من 2.4 مليار سنة في خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وإنتاج بيئة غنية بالأكسجين، مما مهد الطريق لنشوء الحياة على الأرض.

 

تتمثل رؤية المشروع في تصميم فضاءات بيولوجية قادرة على تنظيف الهواء وتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى معادن وكتلة حيوية، عبر دمج الكائنات الحية في بنى معمارية قابلة للنمو والتطور الذاتي، ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم العمارة كبيئة حية، وليست مجرد بنية جامدة.

 

المنصة التقنية

نجح فريق المشروع في تطوير منصة طباعة حيوية روبوتية (Bio Robotic 3D Printing) هي الأولى من نوعها، طُوِّرَت في معهد ETH Zurich، تتيح خلط الرمل، ومادة لاصقة، مع السيانوبكتيريا الحية، لطباعة هياكل ثلاثية الأبعاد تدعم النمو البكتيري المستدام.

 

في الفترة من يناير إلى أبريل 2025، أُجريت أكثر من 100 عملية طباعة حيوية في مختبرات ETH Zurich، ومنها مختبر ALIVE للهندسة المتقدمة بالمواد الحية ومختبر التصنيع الروبوتي في معهد التقنية والعمارة. خضعت هذه الهياكل لعمليات احتضان بيولوجي استمرت لأسابيع قبل نقلها إلى جناح كندا في بينالي البندقية.

 

وبعد سنوات من التجارب المخبرية على أحجام صغيرة (من ملليمترات إلى سنتيمترات)، نجح المشروع في التوسع إلى مستوى معماري، حيث أُنْتِج نموذج حي بارتفاع 3.3 متر، قادر في الظروف المثلى على امتصاص نحو 18 كيلوجراماً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يعادل قدرة شجرة صنوبر يبلغ عمرها 20 عاماً في بيئة معتدلة.

 

الآليات البيوكيميائية

يعتمد المشروع على آليتين رئيسيتين:

 

التمثيل الضوئي (Photosynthesis): حيث تستخدم السيانوبكتيريا الضوء والماء لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى كتلة حيوية (Biomass) وأوكسجين، مسهمةً في تنقية الهواء.

 

التحجر البيولوجي (Biocementation): وهي عملية تحويل ثاني أكسيد الكربون الممتص إلى كربونات معدنية تُدمج داخل الهيكل المطبوع، ما يعزز من صلابته، ويحوّل الكربون إلى حالة شبه دائمة.

Photos: Valentina Mori

الاختبار الميداني في البندقية

عُرِض نموذج المشروع ضمن جناح كندا في بينالي البندقية للعمارة 2025، داخل بيئة معدلة توفر الإضاءة، والرطوبة، والحرارة اللازمة لنمو السيانوبكتيريا. أُديرت عمليات الري اليومية بمحاليل ملحية خاصة، بينما تولى نظام ذكي مراقبة المحتوى الملحي ودرجة الحموضة (pH)، لضبط الظروف البيئية بدقة.

 

تكشف التجربة أهمية الرعاية المستمرة لهذه الهياكل الحية، فهي تتطلب الملاحظة الدائمة لضمان تفاعلها السليم مع الزائرين ومع ظروف الموقع.

 

التحديات والدروس المستخلصة

تباطؤ النمو: العمليات البيوكيميائية أبطأ بكثير مقارنة بعمليات بناء المواد الصناعية التقليدية.

 

تفاوت وظيفي: قد تنمو بعض أجزاء الهيكل، بينما تضعف أجزاء أخرى، ما يثير تساؤلات حول استدامة الأداء المعماري على المدى الطويل.

 

النقل من المختبر إلى العالم الحقيقي: يواجه المشروع تحديات في الانتقال من بيئة معملية خاضعة للتحكم الدقيق إلى فضاءات عامة متأثرة بحركة الزوار والظروف المناخية المختلفة، وهو ما يتطلب تطوير أساليب جديدة للتكيف البيئي.

 

الآفاق المستقبلية

يحمل مشروع Picoplanktonics إمكانيات واسعة للتطبيق في السياقات الحضرية، مثل دمجه في واجهات المباني القائمة لتحويلها إلى مصائد كربونية حية. ورغم أن هذه التقنية لا تغني حتى الآن عن المواد الإنشائية التقليدية، إلا أنها تُعد نموذجاً تكميلياً يساهم في خلق بيئة عمرانية أكثر استدامة.

 

يدعو المشروع إلى إعادة التفكير جذرياً في مفهوم العمارة، باعتبارها بيئة حية قادرة على النمو، والتطور، وحتى التفكك الذاتي، ما يفتح أفقاً فلسفياً جديداً حول العلاقة بين البنى العمرانية والأنظمة البيولوجية.

Photos: Valentina Mori

خلاصة

يُمثل Picoplanktonics نموذجاً ريادياً يجمع بين البيولوجيا والهندسة المعمارية والتقنية الروبوتية، نحو إنشاء عمارة حية قادرة على المساهمة في مكافحة تلوث الكربون. ورغم أن الطريق ما يزال طويلاً قبل الوصول إلى تطبيقات تجارية واسعة النطاق، فإن المشروع يشكل خطوة حاسمة في اتجاه بناء بيئات معمارية مستدامة، متعايشة، وقابلة للتجدد، تتفاعل مع الكوكب عوضا عن استنزاف موارده.

Reddit
Wael Moustafa

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!